بقلم: محمد مصراتي *
أنا هنا الأن، شاب ليبي في الثانية والعشرين من عمره
يمتلك فكر ستيريوتايب حول دول الخليج، وأخص بهذا دولة الامارات حفظ الله شعبها
وأسخط حكّامها وشيوخها ذلاً وكراهية. ومن هذا المنطلق أبتدئ.
فقد أرسلت لي منى بنت كريم الهزّاع، الشاعرة المعروفة
والناشطة الشرسة رسالة "دي ام" على تويتر قالت لي فيها "لا تنسى
المقال يا حمّة"، وقد أصابتني الرعشة وقتها.. ليسَ لأنني سأكتب مقال مغاربي
ليبي عن الخليج، بل لأنّ حمّة كانت كافية لتهزّ كينونة قلبي المحطّم.
وفكرت: كيف أنظر كـ ليبي إلى دول الخليج؟ في
المخليّلة، صور عمارات ومبانٍ طويلة ضخمة.. برج الخليفة مثالاً، وفكرت في نفس
الوقت أنّني لم أشاهد يومًا فيلم بورنو خليجي لكي أحكم على طول قضيب الاماراتيين
لتخلق عندهم هذا الهاجس بالمباني الطويلة.. كلّ شيء هناك يعتمد على الطول: أطول
مبنى في العالم، أطول ساعة في العالم، أطول برج في العالم.. "هل هناكَ يا ترى
في تلك البلاد البعيدة أطول "زب" في العالم؟" كانت هذه مجرد فكرة.
الفرصة الوحيدة التي أتيحت لي لزيارة الامارات، كانت
في العام الماضي، وذلك كعضو في مشروع ورشة الجائزة العالمية للرواية العربية،
والمخصصة للكتّاب الشباب وكتابة أولى فصول رواياتهم في أبوظبي، وللأسف، كـ
"لاجئ ليبي في بريطانيا" لم أحصل على تأشيرة لدخول الدولة المحصّنة
برجال الأمن، نظرًا لكوني "خطر على الأمن القومي". وان كنتُ وقتها
متلهفًا أكثر لزيارة هكذا بلد كي أستطيع التفرغ للكتابة، إلاّ أنّ معرفة عوالمه
وسراديبه والذين يعيشون في هامشه كانَ كافيًا لأقتنع بقرار السفارة.
تقول الحكاية أنّ "الكل يذهب إلى دبي"،
وربما هنا، نقول أيضًا، أن كلّ الطرق باتت تؤدي إلى دبي. صديقي الكاتب اللبناني
قال أنّني لا أعرف دبي لهذا يجب عليّ الصمت. السياسيين الليبيين، من القطط السمان
والاعلاميين المبتسمين على الدوام، يعشقون الامارات وقطر.. ينامون على أسرّة
فنادقها، ويغسلون وجوههم بترابها. أتخيّل أن الامارات بشكل خاص، والخليج بشكل عام،
بات أرض الفلوس. أتساءل في ظلّ كلّ هذا عن ثقافة تلكَ الأرض، وأتساءل عمّا سيحدث
يوم ينتهي النفط وتعود تلكَ الأراضي إلى الصحراء وبداية الانهيار العظيم!
أين الثقافة من كل ذلك مثلاً؟ "جيمس، قل
لي.." سألت صديقي الذي يقضي ثمانية أشهر متواصلة في أبوظبي ولا يكف عن
التحدّث حول سهراته وبيته بحوض السباحة "هل تنصحني بسماع بعض الأغاني من الفلكلور
الشعبي في أبوظبي؟".. "ها؟!"، هذهِ اجابة جيمس. أمّا صديقي المحرر
في احدى الصحف العربية، فقد بات ينشر كثيرًا للشعراء الاماراتيين، وقال لي أنّهُ
باتَ يذهب كثيرًا للامارات، لأنهم يعطون الكثير من المال وأنواع الويسكي
والشمبانيا الفاخر و"أنا أنشر للكتابات الخراء التي يكتبها شعرائهم"..
شعرتُ بالأذية وقتها حينَ قال ذلك، ليسَ من أجل سبّ هذا المحرر لشعر الاماراتيين
بقدر ما كانت أذيتي لحال الثقافة العربية جراء دخول الرأس المال الخليجي إليها. لا
أقول هذا الكلام بدافع حقد تجاه تلكَ البلاد، بل على العكس، أنا شخصيا متأكد من وجود
شعراء وكتّاب حقيقيين فيها، كإيماني بأنّ هناك حكايات وقصص بإمكانها خلق حالة
ابداع فريدة، إلاّ أنّ حالة الاستهلاك المادي والبذخ غلبت بشكل أو بأخر على كل
مظاهر الثقافة التي من الممكن الاستفادة منها في التعريف بالامارات. باتت المادة
هي العنصر المسيطر. باتت الامارات في كل هذا بلد زائفة، وكذبة بأعمدة طويلة.
في صيف العام 2010، حضرت أمسية شعرية إماراتية في
لندن. كانت الأمسية أقل من متواضعة من حيث القصائد التي ألقيت على الجمهور، ووجود
بذخ من طعام وشراب بعد القاء القصائد، وقف أحد الشعراء الاماراتيين وبدأ يلقي قصيدته،
والتي في مجملها فلسفة البحث عن الذات، وأنه ألقى ما يعني أنّهُ "يحفر عميقًا
جدًا.. ويحفر ويحفر"، فعلّق أحد الشعراء العرب الحاضرين: "ما تحفر كثير،
لينفجر ف وشك أنبوب بترول". كان التعليق مستفزًا في لحظتها، والظريف في الأمر
أنّ هذا الشاعر العربي قال لي وهو يحتسي الشراب بعد انتهاء الأمسية أنه ذاهب في
الغد إلى دبي بعد أن قُبل للعمل في مجلة ثقافية هناك بمعاش شهري يفوق تطلعاته.
وتقول الأسطورة الليبية أنّ الشيخ زايد زار ليبيا
للعلاج في السبعينيات، وهناك قال (حسب الاسطورة): أتمنى لو كانت الامارات كـ
ليبيا.
هذهِ أسطورة يرددها الليبيون بحسرة في الأعوام
الأخيرة. العديد من معارفي يتطلعون لتكون ليبيا امارات أخرى، بمبانٍ ضخمة وعمارات
طويلة. سيف الاسلام القذافي كانَ ينوي القضاء على مركز مدينة طرابلس حيث المباني
الايطالية العتيقة التي بنيت في القرن الماضي والتي تمثّل جزءًا من حقبة مهمة في التاريخ
الليبي واستبدالها بأخرى عصرية على الطراز نفسه الموجود في الامارات. بعد الثورة
وسقوط معمر القذافي، باتَ السؤال محيّرًا، هل يريد الليبيون ليبيا دولة ديمقراطية
كأولوية أم لا بأس بدولة ديكتاتورية ولكن فيها سبل الرفاهة والحياة العسلية؟
والسؤال الأهم: هل تنتفض الامارات يومًا يا ترى؟
شاب ليبي سألني بحيرة "على ماذا تنتفض؟"،
وفعلاً كنتُ أتساءلُ أيضًا على ما ستنتفض الامارات؟ ولكنّني سحبت هذا السؤال
لسببين مهمين:
الأول: هناك سجناء رأي شباب ألقوا بين القضبان ولا
وجود إلى أي ناشط سياسي في مواقع التواصل الاجتماعي ولا خبر واحد في القنوات
الاخبارية التي يمولها شيوخ الخليج تحدث حول هذا الموضوع، بالاضافة إلى ما يقارب
خمسين عضوًا من "حركة اصلاح" أعتقلوا في الأونة الأخيرة... وبما أنّ
الناشط والكاتب والسياسي العربي يلعق المال الخليجي، فلا همّ له أنّ هؤلاء كذلك
جزء من المشروع التحرري وقضيتهم تمسّ قضايا حقوق الانسان بالدرجة الأولى، حتى وان
اختلفت توجهاتنا السياسية معهم.
الثاني: تذكرت سائق تاكسي مصري سألني يومًا:
"انتو ليه بتعلموا ثورة ع القذافي؟ احنا فقرا وحالتنا ما يعلمش بيها الا ربنا
عشان كده نزلنا التحرير.. بس انتو القذافي معيشكوا.. ليه بتعملوا ثورة
عليه؟".. هذا السائق لا يعرف ليبيا.. أنا لا أعرف الامارات لأطلق أحكامًا
أيضًا! طرابلس مش دبي، وبنغازي مش أبوظبي.
* مدون وكاتب ليبي مقيم في لندن (رابط لمدونته)
No comments:
Post a Comment